روائع مختارة | قطوف إيمانية | نور من السنة | شين بلال لم تكن سينًا قط.. وسائر الحروف عنده محققة!!!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > نور من السنة > شين بلال لم تكن سينًا قط.. وسائر الحروف عنده محققة!!!


  شين بلال لم تكن سينًا قط.. وسائر الحروف عنده محققة!!!
     عدد مرات المشاهدة: 2571        عدد مرات الإرسال: 0

لقد سررتُ كثيرًا بدخولي- عبر الشَّبكة الأثيرية- إلى (موقع معهد مبارك قسم الله للبحوث والتدريب)، لمعرفتي بالعلامة مبارك قسم الله زايد- رحمه الله، وتقبل بذله في العاملين- فقد كان الرجل ركنًا شديدًا من أركان العمل الإسلامي في السودان، وإفريقيا، والعالم، وعلى عاتقه وعواتق المهتمين قامت منظمة الدعوة الإسلامية في أحلك الظروف، فقادها حتى استغلظت واستوت، وقد شهد المقربون منه بأنه كان عفَّ اليدِ، واللسانِ، وكان آيةً في الزهد، وكان ممن يدل على الله حالُه، قبل مقاله، فنسأل الله أن يتقبله في المخلصين، ولقد أحسن من اقترح إنشاء معهد باسمه بعد وفاته تقديرًا لجهوده، وتعبيرًا عن الوفاء لشخصه، على الرغم من أنه لم يكن يهتم لذلك أبدًا، فقد تعلقت همته بما هو أرفع، نحسبه كذلك، والله حسيبه، ونسأل الله أن يكون قد حقق مبتغاه.

 

وكان من ضمن ما قرأت في موقع معهد مبارك قسم الله مقالةً، أضيفت في شهر الله المحرم من هذا العام، بعنوان: (وفي ذكرى الهجرة النبوية- إن سين بلال عند الله شين!!)، كتبتها إحدى الداعيات، وقد حاولتِ الكاتبةُ أن تجد عذرًا لعُجمةِ الطلاب الذين لا يجيدون العربية في نطقهم للآيات القرآنية، فاستشهدت بما تداوله الناس من قولٍ كذبٍ: (إن سين بلال عند الله شين!!)، وقد أساءت الكاتبة من حيث أرادت الإحسانَ؛ إن كانت كما نظن.

وإساءتها إساءةٌ مركبةٌ؛ إذ ذكرتْ حديثًا عن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يُحَدِّثْ به أبدًا!! وهو حديث: (إن سِينَ بلالٍ عند الله شِين)، وذلك في الشهادتين في الأذان، وذكره آخرون بقولهم: (إن بلالًا يبدل الشين سينًا)، وهذا أمرٌ جللٌ، قد يقع فيه كثيرٌ من الناس، وهم لا يشعرون؛ لكونه كذبًا على النبي- صلى الله عليه وسلم- فكيف يكل الرسولُ- صلى الله عليه وسلم- الأذانَ إلى بلال؛ إذا كان لسانُه غير مستقيم، وفي الصحابة من هو أفصح منه، وفي المدينة اليهود، والذين كفروا؛ ممن كانوا يتربصون للنفاذ من أية ثغرة من شأنها أن تكون منفذًا للطعن والإزراء بالإسلام والمسلمين؟؟!!

والذي يقرأ في الحديث النبوي الشريف يعرف قدر بلالٍ- رضي الله عنه- ويعرف أنه كان فصيحَ اللسان، نديَّ الصوت؛ فقد روى أبو داود، من حديث عبد الله بن زيد، قال:

لما أَمَر رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- بالناقوس يُعمَلُ، ليضرب به للناس لجمع الصلاة؛ طاف بي- وأنا نائم- رجلٌ يحملُ ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله! أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى! قال: فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيتُ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت. فقال: «إنَّهَا لَرُؤْيا حَقٍّ- إن شاءَ اللهُ- فَقُمْ مَعَ بِلالٍ، فَأَلْقِ عَلَيهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ». فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب- وهو في بيته- فخرج يجرُّ رداءَه، ويقول: والذي بعثك بالحق- يا رسول الله- لقد رأيتَ مثل ما رأى، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فلله الحمد!».

قال أبو داود: هكذا رواية الزهري عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن زيد، وقال فيه ابن إسحاق، عن الزهري: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر)، وقال معمر ويونس، عن الزهري فيه: (الله أكبر، الله أكبر) لم يثنيا [1].

وفي هذا ما يؤكد أن بلالًا- رضي الله عنه- كان فصيحًا، نديَّ الصوت.

أما معرفتُه بالعربية، ومقدرتُه على نظم الشعر؛ فيدل عليها ما أخرجه البخاريُّ في الصحيح، عن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينةَ وُعِك أبو بكرٍ وبلالٌ، قالت: فدخلتُ عليهما فقلت: يا أبتِ! كيف تجدك؟ ويا بلالُ كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى، يقول:

كلُّ امرئٍ مُصبَّحٌ في أَهلِهِ *** والموتُ أدنَى من شِراكِ نَعْلِهِ

وكان بلالٌ إذا أقلعَ عنه يرفعُ عقيرتَه [2]، ويقول:

أَلا ليت شِعري هل أَبيتنَّ ليْلةً *** بِوَادٍ وحَوْلي إِذخَرٌ وجَلِيلُ

وهل أَرِدَنْ يومًا مِياه مَجنّةٍ *** وهل يبدوَن لي شَامَة وطَفِيلُ

قالت عائشةُ: فجئتُ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: «اللهمَّ! حَبِّبْ إِلَيْنَا المدينةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أو أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبارِكْ لَنَا في صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالجُحْفَةَ» [3].

ولئن أحب بلالٌ- رضي الله عنه- مكةَ المكرمةَ، وعَبَّر عن هذا الحب (بالشعر)؛ فهذا يدل على أنها وطنه، وفيها نشأ، ومن نشأ في بلد أجاد لغة قومه وإن لم يكن أصله منهم، ولم يكن حبه لمكة بأكثر من حبه للنبي- صلى الله عليه وسلم- وبادله النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- الحبَّ ذاتَه، فجعله أمينَ المال، ووَكَل إليه الأذانَ، والناسُ يعرفون فضلَ من يُنْتَدب إلى أمانةِ المال، وأمانةِ الأذان، فماذا لو كان المنتدِب هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن الصحابة من تمنى الأذان لنفسه!

وقد سَعِدَ بلالٌ- رضي الله عنه- في حبه هذا، فلما انتقل النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى، قلى بلالٌ- رضي الله عنه- القَرارَ في المدينة؛ إذ الناسُ إليها يزِفُّون؛ لأن وَجْده كان فيَّاضًا، ورحابُ المدينةِ تُذكِّرُهُ الحبيبَ، فلم يقدر على العيش فيها! بل لم يقدر حتى على الأذان! وهو مَن قد عُرف بحرصه على الخير، وعلى الأجرِ.

وعن هذا الحب روى ابنُ سعدٍ، عن إبراهيم التيمي، قال: لما تُوفِّيَ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- أذَّنَ بلالٌ، ورسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- لم يُقبر، فكان إذا قال: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، انتحبَ [4] الناسُ في المسجدِ، قال: فلما دُفِنَ رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- قال له أبو بكر: أذِّن! فقال: إن كنتَ إنما أعتقتني لأن أكونَ معكَ؛ فسبيلُ ذلك، وإن كنت أعتقتني لله؛ فَخَلِّني وَمَنْ أعتقتني له! فقال: ما أعتقتك إلا لله! قال: فإني لا أُؤَذِّنُ لأحدٍ بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم! قال: فذاك إليك، قال: فأقام حتى خرجتْ بعوثُ الشام، فسارَ معهم، حتى انتهى إليها[5].

ووقع في تاريخ دمشقَ للحافظ ابن عساكرَ في أخبار بلالٍ- رضي الله عنه- إتمامًا لهذا السياق: فلم يزلْ مجاهدًا؛ حتى فتحَ اللهُ عليهمُ الشامَ، وقدمَ عمرُ بنُ الخطابِ- رضي الله عنه- الجابيةَ [6]، فسأل المسلمونُ عمرَ مسألةَ بلالٍ بالأذان لهم، ليسمعوا تأذينه، ففعل عمرُ، وأَذَّنَ بلالٌ يومًا واحدًا، أو قالا [7]: أَذَّنَ لصلاةٍ واحدةٍ، فما رُئِيَ أكثر باكيًا من بكاء المسلمين يومئذ بالجابية، أَذْكَرَهم رسولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- وما كانوا يسمعون من تأذينه له، وعرفوا من صوتِهِ، فلم يزلِ المسلمونَ بالشامِ يقولون: إن تَأْذِينَهم هذا الذي هُم عليه مِن تأذينِ بلالٍ يومئذ[8].

وهذا دليل آخر على أن شين بلال ليست مهملة!

والأمر الثاني:

أن الكاتبة اعتذرت عن اللُّكْنَةِ في القراءةِ وهي- في واقع الأمر- ليست مما يُعْتَذَرُ منه؛ لأنها عَرَضيةٌ، تزولُ بالتعلُّمِ، فإن هؤلاء الذين ذكرتهم سيصبر عليهم شيخُهم إلى أن يتقنوا القراءة الصحيحة، والشواهد على ذلك كثيرة، ومسابقات القرآن الكريم العالمية التي تعقد في أنحاء العالم الإسلامي تؤكد ذلك، فكثير من حفظة كتاب الله- من شتى بلاد المسلمين- ممن لا يعرفون اللغة العربية؛ تجدُهم يقرؤون القرآن قراءةً صحيحةً لا لُكْنَةَ فيها، أما معانيه فتجدهم لا يعرفون منها إلا اليسير اليسير! بل لو طلبت من أحدهم التحدثَ باللغة العربية فربما تجده لا يتكلم بها إلا قليلًا، وبلُكنة ظاهرة، فإذا قرأ القرآن كان عجبًا في الطلاقة.

أما الحديث المنسوب للنبي- صلى الله عليه وسلم- في سين بلال- رضي الله عنه- فقد رده علماء الحديث:

قال الإمام الزركشي في التذكرة في الأحاديث المشتهرة: (قال الحافظ جمال الدين المِزِّيُّ: اشْتُهرَ على ألسنة العوامِّ أن بلالًا- رضي الله عنه- كان يبدل الشين في الأذان سينًا، ولم نره في شيء من الكتب. قال الزركشي: كذا وجدته عنه [9]، بخط الشيخ برهان الدين السفاقسي) [10]. اهـ.

وقال المُلَّا علي بن سلطان القارئ في الأسرار المرفوعة: (قال المِزِّيُّ- فيما نقله عنه البرهان السفاقسي-: إنه اشتهر على ألسنة العوام، ولم نره في شيء من الكتب) [11]. اهـ.

وقال العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس: (قال في الدرر: لم يرد في شيء من الكتب، وقال القارئ: ليس له أصل، وقال البرهان السفاقسي- نقلًا عن الإمام المِزِّيِّ-: أنه اشتهر على ألسنة العوام، ولم يرد في شيء من الكتب) [12]. اهـ.

قال حيدر: إذا قال الإمام المِزِّيُّ فصدقوه؛ فإن القولَ ما قال الإمامُ. فالإمام المِزِّي- لمن لا يعرفه- هو مصنف كتاب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، وهو كتابٌ في الجرح والتعديل لرواة أحاديث الكتب الستة؛ البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة، وقد ذكر روايات هذا الجمع الغفير من الأعلام في الكتب الستة هذه، وفي غيرها من دواوين السنة، وله كتابٌ ثانٍ هو: (تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف) ذكر فيه أطراف الكتب الستة، وهذان الكتابان من الكتب العظيمة النفع، وهما كتابان لا غنى لطالب الحديث عنهما، وقد توفي في سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة هجرية.

إن في عدم ظهور هذا الحديث في الكتب حتى عهد الإمام المِزِّي يوضح أنه حديث لا أصل له، وهو من الموضوعات المتأخرة، فرضي الله عن بلال الذي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم خَشْفَ نعْلَيْه بين يديه في الجنة، بحرصه على الطهارة، والنوافل، وهو ما رواه الشيخان؛ البخاري، ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لبلالٍ عندَ صلاةِ الغداة: «يا بلالُ حدِّثْني بأرجَى عملٍ عملتَهُ عندَكَ في الإسلامِ منفعةً فإنِّي سمعتُ الليلةَ خَشْفَ نعْلَيْكَ بينَ يديَّ في الجنَّةِ؟» قال بلالٌ: ما عملتُ عملًا في الإسلامِ أرجى عندي منفعةً من أنَّي لا أتطهَّرُ طُهُورًا تامًّا، في ساعةٍ من ليلٍ، ولا نهارٍ، إلا صليتُ بذلكَ الطُّهُورِ ما كتب اللهُ لي أن أصَلِّيَ [13].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] أخرجه في السنن (499).

[2] العَقِيرة: عَقِيرةُ الرجل: صوتُه إِذا غَنَّى أَو قَرَأَ أَو بَكى، وقيل: أَصله أَن رجلًا عُقِرَت رِجْلُه فوضع العَقِيرةَ على الصحيحةِ، وبكَى عليها بأَعْلى صوتِه، فقيل: رفَع عَقِيرَته، ثم كَثُرَ ذلك حتى صُيِّر الصوتُ بالغناء عَقِيرةً. قال الجوهري: قيل لكل مَن رفعَ صوتَه: قد رفع عَقِيرته، ولم يقيّد بالغناء. لسان العرب (4/593 عقر).

[3] أخرجه البخاري (3926).

[4] انتحب: النحيب: هو رفع الصوت بالبكاء، وفي المحكم: أشد البكاء. انظر لسان العرب (1/749 نحب).

[5] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/236- 237).

[6] قرية من قرى دمشق من ناحية الجولان، وقد نزلها عمر رضي الله عنه، وبدمشق بابٌ يسمى باب الجابية منسوبٌ إلى هذا الموضع. معجم البلدان (2/91).

[7] روى هذا السياق راويان، لذا جاء اللفظ بالتثنية.

[8] تاريخ دمشق (14/403- 404).

[9] أي: عن المِزِّي.

[10] التذكرة في الأحاديث المشتهرة (ص207- 208).

[11] الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (1/121رقم 76).

[12] كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس (1/263 رقم 695).

[13] أخرجه البخاري (1149)، ومسلم (2458)، واللفظ له.

الكاتب: د. حيدر عيدروس علي.

المصدر: موقع الألوكة.